*الصين تبني الأمل: مشروع المنازل شبه المجانية في أربع محافظات سورية بينها اللاذقية*
في خطوة تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين سوريا والصين، أعلنت بكين عن مبادرة إنسانية وتنموية تهدف إلى بناء منازل شبه مجانية في أربع محافظات سورية، من بينها محافظة اللاذقية. تأتي هذه المبادرة في إطار الدعم الصيني المستمر لسوريا، خاصة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في فبراير 2023، مخلفًا دمارًا واسع النطاق في البنية التحتية ومئات الآلاف من المتضررين.
---
*خلفية المبادرة: من الكارثة إلى الإعمار*
في أعقاب الزلزال الذي هزّ شمال سوريا، سارعت الصين إلى تقديم مساعدات إنسانية عاجلة، شملت إرسال طائرات محملة بالمساعدات الغذائية والطبية، وسفنًا تحمل وحدات سكنية مسبقة الصنع. وقد تم تسليم أولى دفعات هذه الوحدات في مايو 2023، حيث رست سفينة صينية في ميناء اللاذقية محملة بـ225 وحدة سكنية جاهزة، تم توزيعها بالتساوي بين محافظتي اللاذقية وحلب⁽¹⁾.
هذه الخطوة لم تكن مجرد استجابة طارئة، بل كانت بداية لشراكة طويلة الأمد في مجال إعادة الإعمار، حيث أعلنت الصين لاحقًا عن نيتها توسيع المشروع ليشمل أربع محافظات سورية، هي: *اللاذقية، حلب، حمص، وطرطوس*. وتهدف هذه المبادرة إلى توفير مساكن شبه مجانية للمتضررين من الكوارث الطبيعية، وللعائلات ذات الدخل المحدود، ضمن خطة تنموية متكاملة.
---
*اللاذقية: نموذج للتنفيذ*
تُعد محافظة اللاذقية من أكثر المناطق تضررًا من الزلزال، ما جعلها في صدارة المحافظات المستفيدة من المشروع. في أبريل 2023، استقبلت المحافظة 228 وحدة سكنية مسبقة الصنع، تم توزيعها على سبع مناطق مختلفة، وفق ما صرّح به مسؤولون محليون. وقد تم تجهيز هذه الوحدات بكافة المستلزمات الأساسية، من الكهرباء والمياه إلى الأثاث البسيط، لتكون جاهزة للسكن الفوري⁽²⁾.
السلطات المحلية في اللاذقية أشادت بالدعم الصيني، واعتبرته خطوة نوعية في مسار إعادة الإعمار، خاصة أن هذه الوحدات تمثل حلاً سريعًا وفعالًا لإيواء المتضررين، وتخفيف الضغط عن مراكز الإيواء المؤقتة.
---
*حلب وحمص وطرطوس: امتداد للمبادرة*
لم تقتصر المساعدات الصينية على اللاذقية، بل امتدت لتشمل *حلب* ، التي تلقت دفعات مماثلة من الوحدات السكنية، خاصة في منطقة جبرين شرقي المدينة، حيث تم إنشاء مراكز إيواء مؤقتة تضم 500 وحدة سكنية مسبقة الصنع، بمساحة 40 مترًا مربعًا لكل وحدة⁽³⁾.
أما في *حمص* و *طرطوس* ، فقد بدأت التحضيرات اللوجستية لتحديد المواقع المناسبة لبناء هذه الوحدات، بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية والإسكان السورية. وتهدف الخطة إلى إنشاء مجمعات سكنية متكاملة، تتضمن مدارس ومراكز صحية وخدمية، بما يضمن حياة كريمة للمستفيدين.
---
*أبعاد استراتيجية: ما وراء الدعم الإنساني*
رغم الطابع الإنساني الظاهر للمبادرة، إلا أن المراقبين يرون فيها بعدًا استراتيجيًا يعكس رغبة الصين في تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، عبر بوابة إعادة إعمار سوريا. فالصين، التي كانت من أوائل الدول الداعمة لدمشق خلال سنوات الحرب، تسعى اليوم لترسيخ حضورها الاقتصادي من خلال مشاريع البنية التحتية، والإسكان، والطاقة.
وقد صرّح وزير الأشغال العامة والإسكان السوري، المهندس سهيل عبد اللطيف، بأن التعاون مع الصين يشمل أيضًا مجالات أوسع، مثل استخدام التقنيات الحديثة في البناء، وتدريب الكوادر السورية، وتقديم أجهزة متطورة للكشف عن الأضرار في الأبنية المتضررة⁽⁴⁾.
---
*التحديات المحتملة*
رغم أهمية المشروع، إلا أن تنفيذه لا يخلو من التحديات. فالوضع الاقتصادي المتردي في سوريا، والعقوبات الدولية المفروضة، قد تعيق عمليات النقل والتوريد. كما أن البنية التحتية في بعض المناطق تحتاج إلى تأهيل قبل تركيب الوحدات السكنية، ما يتطلب تنسيقًا عاليًا بين الجهات المحلية والدولية.
إضافة إلى ذلك، هناك تساؤلات حول آلية توزيع هذه المنازل، ومدى شفافيتها، خاصة في ظل وجود آلاف العائلات المتضررة التي تنتظر حلاً دائمًا لمشكلاتها السكنية.
---
*الأثر الاجتماعي والاقتصادي*
من المتوقع أن يكون للمشروع أثر إيجابي كبير على المستوى الاجتماعي، من خلال توفير مأوى آمن للأسر المتضررة، وتقليل الاعتماد على مراكز الإيواء المؤقتة. كما سيسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، من خلال خلق فرص عمل في مجالات التركيب، والخدمات، والصيانة.
على المدى البعيد، قد يشكل هذا المشروع نواة لسياسة إسكانية جديدة في سوريا، تعتمد على الشراكات الدولية، والتقنيات الحديثة، لتلبية الطلب المتزايد على السكن، خاصة في ظل عودة المهجرين والنازحين.
---
*ختامًا: خطوة نحو التعافي*
تمثل مبادرة الصين لبناء منازل شبه مجانية في أربع محافظات سورية، وعلى رأسها اللاذقية، بارقة أمل في طريق طويل نحو التعافي. إنها ليست مجرد وحدات سكنية، بل رسالة تضامن، وشراكة استراتيجية، قد تعيد رسم ملامح مرحلة ما بعد الحرب في سوريا.
ومع استمرار التعاون بين دمشق وبكين، يبقى الأمل معقودًا على أن تتحول هذه المبادرات إلى مشاريع تنموية مستدامة، تعيد الحياة إلى المدن المنكوبة، وتمنح السوريين فرصة لبداية جديدة.

تعليقات
إرسال تعليق