في تصعيد سياسي غير مسبوق، خرج الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا، بتصريحات مثيرة للجدل دعا فيها إلى إعلان إقليم منفصل للطائفة
الدرزية في محافظة السويداء، جنوب البلاد. هذه الدعوة جاءت في أعقاب ما وصفه بـ"المحنة الأخيرة"، والتي اعتبرها محاولة ممنهجة لإبادة الطائفة الدرزية، مؤكداً أن المرحلة الجديدة تتطلب ترتيبات سياسية وأمنية تضمن حماية أبناء الطائفة إلى الأبد.
الهجري، الذي يُنظر إليه من قبل مؤيديه كممثل شرعي للطائفة، عبّر عن امتنانه للدول التي وقفت إلى جانب الدروز، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، مشيراً إلى أن الدعم الدولي كان حاسماً في تجاوز المحنة الأخيرة.
وقد أثارت هذه الإشادة تحديداً موجة من الجدل، خاصة أن العلاقة بين سوريا وإسرائيل لطالما اتسمت بالعداء، ما يجعل أي تقارب أو تنسيق مع تل أبيب أمراً بالغ الحساسية.
في كلمته، شدد الهجري على أن "مشوارنا بدأ بعنوان جديد"، في إشارة إلى تأسيس الحرس الوطني في السويداء، وهو تشكيل عسكري محلي يضم عشرات الفصائل المسلحة التي أعلنت ولاءها الكامل للهجري، وتعهدت بالدفاع عن الأرض
والعرض تحت قيادته. هذا الحرس، بحسب الهجري، يعمل بضمانة دولية، ما يعكس وجود تنسيق مع جهات خارجية معنية بالوضع في الجنوب السوري.
الدعوة إلى إعلان إقليم منفصل ليست مجرد مطلب إداري أو تنظيمي، بل تحمل في طياتها مشروعاً سياسياً متكاملاً، يسعى إلى إعادة رسم العلاقة بين السويداء والدولة المركزية في دمشق. الهجري لم يخفِ تحفظه على أداء السلطات السورية الجديدة، رغم سقوط النظام السابق، مطالباً بحكومة تشاركية، ودستور مدني، وجيش وطني، كشرط للتعاون مع الإدارة الحالية.
الخطاب الذي تبناه الهجري يضع الطائفة الدرزية في موقع المتلقي للتهديدات، ويصورها كضحية لصراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل. لكنه في الوقت ذاته، يطرح رؤية استقلالية، تتجاوز مجرد الحماية الذاتية، لتصل إلى المطالبة باعتراف دولي بإقليم منفصل، له ترتيباته الأمنية والسياسية الخاصة، ويعمل تحت مظلة دولية تضمن استقراره.
هذا التوجه يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل وحدة الأراضي السورية، خاصة أن السويداء ليست الوحيدة التي تشهد دعوات للانفصال أو الحكم الذاتي، فهناك أيضاً مطالب كردية في الشمال، وحراك علوي في الساحل، ما يجعل البلاد أمام تحديات بنيوية تهدد بتفككها إلى كيانات متنازعة.
في المقابل، لم تحظَ دعوة الهجري بإجماع داخل الطائفة الدرزية نفسها، إذ عبّر عدد من القيادات المحلية عن رفضهم للتنسيق مع إسرائيل، وتمسكهم بخيار الوحدة الوطنية. هذا الانقسام الداخلي يعكس تعقيدات المشهد الدرزي، ويطرح تساؤلات حول مدى تمثيل الهجري للطائفة بأكملها، خاصة أن مواقفه الأخيرة أثارت تحفظات حتى داخل أوساط كانت تعتبره مرجعية روحية.
السلطات السورية، من جهتها، لم تصدر موقفاً رسمياً حاسماً تجاه تصريحات الهجري، لكنها أكدت في مناسبات سابقة على وحدة الأراضي السورية، ورفضها لأي مشاريع انفصالية، مهما كانت مبرراتها. الرئيس السوري أحمد الشرع شدد مؤخراً على أن "أطرافاً تستقوي بإسرائيل لكنها لن تحقق أهدافها"، في إشارة واضحة إلى تصريحات الهجري دون أن يسميه.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن السويداء تقف عند مفترق طرق: بين خيار الانخراط في الدولة السورية الجديدة، بكل ما تحمله من تحديات، وبين مشروع انفصالي قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، ويضع الطائفة الدرزية في مواجهة مع محيطها الوطني. وبين هذا وذاك، تبقى المطالبة بالحماية الدولية، وإن بدت مشروعة من منظور الهجري، محفوفة بالمخاطر السياسية والأخلاقية، خاصة عندما تأتي على خلفية شكر علني لإسرائيل، التي لا تزال تحتل أجزاء من الأراضي السورية.
في النهاية، فإن تصريحات حكمت الهجري تمثل لحظة فارقة في تاريخ الطائفة الدرزية في سوريا، وتفتح الباب أمام نقاش واسع حول الهوية، والانتماء، ومستقبل العلاقة بين المكونات السورية والدولة المركزية. وبين من يرى في هذه التصريحات تعبيراً عن أزمة وجود، ومن يعتبرها خروجاً عن الإجماع الوطني، يبقى السؤال الأهم: هل السويداء على طريق الانفصال، أم أنها تعيش لحظة توتر عابرة ستنتهي بالحوار والتفاهم؟
تعليقات
إرسال تعليق