في خطوة تعكس تحولًا كبيرًا في المشهد السوري بعد سنوات من الحرب، أعلنت اليابان عن دخولها رسميًا في جهود إعادة الإعمار في سوريا، من خلال مشروع ضخم يستهدف
مدينتي حلب وحمص، وهما من أكثر المدن تضررًا جراء النزاع الذي استمر لأكثر من عقد. هذه المبادرة تأتي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، وتشكل نقطة انطلاق جديدة نحو التعافي الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
*خلفية سياسية وتحول جذري*
المشروع الياباني يأتي بعد تطورات سياسية دراماتيكية شهدتها سوريا في نهاية عام 2024، حيث أطاحت المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام بنظام بشار الأسد، الذي فر إلى روسيا في ديسمبر من نفس العام. أعقب ذلك تشكيل إدارة انتقالية جديدة بقيادة أحمد الشراع في يناير 2025، ما فتح الباب أمام المجتمع الدولي للمساهمة في إعادة بناء سوريا على أسس جديدة.
*تفاصيل المشروع وأهدافه*
في 12 أغسطس 2025، وقعت اليابان وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية اتفاقية رسمية لإطلاق خطة إعادة تأهيل البنية التحتية في المناطق الأكثر تضررًا داخل مدينتي حلب وحمص. يركز المشروع على تحسين الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي، بالإضافة إلى إعادة تنظيم العشوائيات والمستوطنات غير المخططة التي كانت تؤوي نسبة كبيرة من السكان قبل اندلاع الحرب.
الهدف الأساسي من هذه المبادرة هو توفير بيئة آمنة وصحية لأكثر من 81 ألف شخص من سكان المدينتين، الذين حُرموا من الخدمات الأساسية لسنوات طويلة. كما يسعى المشروع إلى دعم عودة اللاجئين والنازحين، حيث تشير التقارير إلى عودة نحو 746 ألف لاجئ سوري من الدول المجاورة حتى يوليو، بالإضافة إلى نزوح داخلي تجاوز 1.5 مليون شخص.
*أهمية حلب وحمص في المشهد السوري*
تُعد حلب وحمص من المدن ذات الثقل التاريخي والاقتصادي في سوريا، وقد تعرضتا لدمار واسع خلال سنوات الحرب، خاصة في الأحياء الفقيرة والمناطق العشوائية. قبل عام 2011، كان نحو 40٪ من سكان المدن السورية يعيشون في مناطق غير مخططة، ما يجعل إعادة تنظيم هذه المناطق ضرورة ملحة لضمان استدامة التعافي.
الدمار الذي خلفته الحرب، إضافة إلى الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا في فبراير 2023، فاقم من تدهور البنية التحتية، وجعل من إعادة الإعمار تحديًا إنسانيًا وتنمويًا في آنٍ واحد. المشروع الياباني يأتي استجابة لهذا التحدي، ويعكس التزامًا دوليًا متزايدًا بدعم سوريا في مرحلة ما بعد الصراع.
*الدور الياباني في إعادة الإعمار*
منذ عام 2022، قدمت اليابان أكثر من 21 مليون دولار لدعم مشاريع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في سوريا، ما يجعلها من أبرز المانحين الدوليين في هذا المجال. التمويل الجديد الذي يبلغ 5.5 مليون دولار يخصص لإعادة تأهيل البنية التحتية في المناطق العشوائية بحلب وحمص، ويُنفذ عبر وكالات الأمم المتحدة لضمان الشفافية والفعالية.
وزارة الخارجية اليابانية أكدت أن هذه الخطوة تأتي استجابة للوضع الإنساني الخطير في سوريا، مشيرة إلى أن تحسين البيئة المعيشية للعائدين أصبح قضية ملحة. كما شددت على أهمية توفير سكن آمن وخدمات أساسية للسكان، خاصة في ظل الضغط المتزايد على الموارد المحلية نتيجة عودة أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين.
*التحديات والآفاق المستقبلية*
رغم أهمية المشروع، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، أبرزها ضعف البنية التحتية، نقص الموارد، وتعدد الجهات الفاعلة على الأرض. ومع ذلك، فإن دخول اليابان في خط إعادة الإعمار يمثل خطوة إيجابية نحو استقرار سوريا، ويعزز من فرص التنمية المستدامة في مرحلة ما بعد الحرب.
المشروع أيضًا يحمل دلالات سياسية، إذ يعكس اعترافًا دوليًا بالإدارة الانتقالية الجديدة، ويفتح الباب أمام مزيد من التعاون الدولي لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة، بعيدًا عن الانقسامات التي طبعت المرحلة السابقة.
*خاتمة*
اليابان، بتقنياتها المتقدمة وخبرتها في إعادة الإعمار، تقدم نموذجًا للتدخل الإنساني الفعّال في مناطق النزاع. مشروعها في حلب وحمص ليس مجرد دعم مالي، بل هو رسالة تضامن مع الشعب السوري، وخطوة نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة. وبينما تتجه الأنظار إلى نتائج هذا المشروع، يبقى الأمل معقودًا على أن يشكل بداية حقيقية لعودة الحياة إلى المدن السورية المنكوبة، وفتح صفحة جديدة من التعافي الوطني.
تعليقات
إرسال تعليق