في تطور سياسي واجتماعي لافت في محافظة السويداء، خرج الشيخ ليث البلعوس، أحد أبرز قيادات حركة "رجال الكرامة"، بتصريحات تحمل نبرة تصالحية تجاه إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع، في وقت تتصاعد فيه حدة
التوتر بين مكونات المحافظة والسلطة المركزية في دمشق. البلعوس، الذي يمثل تياراً واسعاً داخل الطائفة الدرزية، أكد أن العلاقة مع الدولة السورية في عهد الشرع تشهد تحولاً إيجابياً، قائلاً: "نتوسم خيراً في الدولة السورية، وإدارة الشرع لم تبادرنا إلا بالحسنى".
هذه التصريحات جاءت بعد سلسلة من اللقاءات التي جمعت وفوداً من السويداء مع ممثلين عن الرئاسة السورية، في محاولة لاحتواء الأزمة التي تفجرت عقب احتجاجات
شعبية طالبت بتحسين الأوضاع المعيشية، وضمان استقلالية القرار المحلي. البلعوس أشار إلى أن إدارة الشرع "دفعت بوفود كثيرة لاحتواء الموقف"، في إشارة إلى رغبة دمشق في فتح قنوات حوار مباشرة مع وجهاء المحافظة، بعيداً عن الوساطات التقليدية.
لكن هذا التوجه التصالحي لم يلقَ قبولاً لدى الشيخ حكمت الهجري، المرجعية الدينية العليا للطائفة الدرزية، الذي رد بموقف متشنج، معتبراً أن "كل من تعامل مع إدارة
الشرع بائع لكرامته"، في تعبير شديد اللهجة يعكس حجم الانقسام داخل الصف الدرزي. الهجري، المعروف بمواقفه الرافضة لأي تقارب مع السلطة، اتهم البلعوس بالتفريط بمبادئ "الكرامة"، ورفض كل المبادرات التي طرحتها الرئاسة السورية، رغم أن الأخيرة طلبت من أهالي السويداء تقديم مطالبهم بشكل مباشر.
هذا التباين في المواقف بين البلعوس والهجري يعكس صراعاً أعمق حول طبيعة العلاقة بين السويداء والدولة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد. فبينما يرى
البلعوس أن المرحلة الجديدة تتطلب انفتاحاً وتعاوناً لضمان حقوق أبناء المحافظة، يتمسك الهجري بسياسة الرفض المطلق، ويعتبر أي تقارب مع دمشق خيانة لمطالب الحراك الشعبي الذي انطلق في السويداء منذ سنوات.
اللافت أن البلعوس لم يكتفِ بالدفاع عن موقفه، بل وجّه انتقادات ضمنية للهجري، قائلاً إن "سياسة الرفض لم تعد تجدي نفعاً، وإن أبناء السويداء بحاجة إلى حلول واقعية
تحفظ كرامتهم وتضمن مشاركتهم في القرار الوطني". وأضاف أن "الكرامة لا تُقاس بالشعارات، بل بالقدرة على تحقيق مطالب الناس ضمن إطار الدولة".
في المقابل، يصر الهجري على أن أي حوار مع دمشق يجب أن يكون مشروطاً باعتراف الدولة بمظلومية السويداء، ومحاسبة
المسؤولين عن الانتهاكات التي طالت أبناء المحافظة خلال السنوات الماضية. ويرى أن إدارة الشرع، رغم تغيرها عن سابقاتها، لم تقدم ضمانات كافية لطمأنة الشارع الدرزي.
هذا الانقسام بين القيادتين يضع أبناء السويداء أمام مفترق طرق: بين خيار الانفتاح على الدولة والمشاركة في إعادة بناء سوريا الجديدة، أو التمسك بسياسة الرفض التي قد تعمّق عزلة المحافظة وتزيد من معاناتها. وبين البلعوس الذي يمدّ اليد، والهجري الذي يرفع السقف، تبقى السويداء تبحث عن صيغة تحفظ كرامتها وتضمن مستقبلها في وطن يتغير بسرعة.
تعليقات
إرسال تعليق