3 إجراءات اقتصادية تركية لسوريا ما الفائدة
في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، برزت تركيا كلاعب اقتصادي محوري في الملف السوري، ليس فقط من خلال دعمها السياسي أو الأمني، بل عبر سلسلة من الإجراءات الاقتصادية التي تهدف إلى إعادة تشكيل العلاقة بين
البلدين على أسس جديدة. هذه الإجراءات، التي جاءت في سياق تقارب سياسي غير مسبوق، تحمل في طياتها فرصاً كبيرة لسوريا في مجالات إعادة الإعمار، تنشيط التجارة، وتحفيز الاستثمار. في هذا المقال، نستعرض ثلاث خطوات اقتصادية اتخذتها تركيا مؤخراً تجاه سوريا، ونحلل الفوائد المحتملة لكل منها.
---
*1. تأسيس لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة*
في خطوة تعكس جدية أنقرة في بناء شراكة اقتصادية طويلة الأمد مع دمشق، تم الإعلان عن تأسيس لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة بين البلدين. هذه اللجنة تهدف إلى تنظيم التعاون في مجالات متعددة، أبرزها التجارة، الاستثمار، البنية التحتية، وتطوير القطاع الخاص.
*الفوائد المحتملة:*
- *تنظيم العلاقات التجارية*: من خلال هذه اللجنة، يمكن للطرفين معالجة العقبات الجمركية، وتسهيل حركة البضائع عبر الحدود، مما يعزز التبادل التجاري ويخفض التكاليف.
- *تحفيز الاستثمار التركي في سوريا*: الشركات التركية، التي تمتلك خبرة واسعة في مجالات البناء والصناعة، ستكون أكثر استعداداً لدخول السوق السورية ضمن إطار قانوني واضح.
- *دعم القطاع الخاص السوري*: عبر تبادل الخبرات وتقديم الدعم الفني، يمكن أن تساهم تركيا في تطوير بيئة الأعمال السورية، خاصة في المناطق التي تضررت من الحرب.
---
*2. إعادة تأسيس مجلس الأعمال التركي-السوري*
أعلنت تركيا عن إعادة تفعيل مجلس الأعمال المشترك بين البلدين، وهو منصة تجمع رجال الأعمال والمستثمرين من الطرفين بهدف تعزيز التعاون التجاري والاستثماري. هذه الخطوة تأتي بعد سنوات من الجمود، وتُعد مؤشراً على رغبة حقيقية في بناء علاقات اقتصادية متينة.
*الفوائد المحتملة:*
- *تشجيع الشراكات الثنائية*: المجلس يوفر مساحة للتواصل المباشر بين المستثمرين، مما يسهل إقامة مشاريع مشتركة في مجالات مثل الزراعة، الصناعة، والخدمات.
- *فتح قنوات تمويل جديدة*: من خلال هذا المجلس، يمكن للبنوك التركية أن تدخل السوق السورية وتوفر أدوات تمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو ما تحتاجه سوريا بشدة في مرحلة التعافي.
- *تعزيز الثقة بين القطاعين الخاصين*: بعد سنوات من التوتر، يمثل المجلس خطوة نحو بناء الثقة بين رجال الأعمال، مما ينعكس إيجاباً على حجم الاستثمارات ونوعيتها.
---
*3. تحديث وتوسيع المعابر الحدودية*
أعلنت تركيا عن خطة لتحديث وتوسيع المعابر الحدودية السبعة النشطة مع سوريا، بهدف تلبية الطلب المتزايد في حركة التجارة والمسافرين. هذه الخطوة ليست فقط لوجستية، بل تحمل دلالات اقتصادية وأمنية مهمة.
*الفوائد المحتملة:*
- *تسهيل حركة البضائع*: المعابر الحديثة ستقلل من زمن الانتظار وتزيد من كفاءة النقل، مما ينعكس على انخفاض تكاليف الاستيراد والتصدير.
- *تنشيط الاقتصاد المحلي في المناطق الحدودية*: تحسين المعابر سيؤدي إلى زيادة النشاط التجاري في المدن السورية القريبة من الحدود، مما يخلق فرص عمل ويحفز النمو المحلي.
- *تعزيز الأمن الاقتصادي*: من خلال تنظيم حركة التجارة، يمكن تقليل التهريب وتعزيز الرقابة على البضائع، مما يحمي الاقتصاد السوري من الممارسات غير القانونية.
---
*قراءة في السياق العام*
هذه الإجراءات لا تأتي بمعزل عن السياق السياسي المتغير في المنطقة. فتركيا، التي كانت في السابق داعماً للمعارضة السورية، بدأت تتبنى سياسة أكثر براغماتية تهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي. ومن جهة أخرى، ترى دمشق في هذا الانفتاح التركي فرصة لإعادة بناء الاقتصاد المنهك، خاصة في ظل تراجع الدعم الدولي وتباطؤ جهود إعادة الإعمار.
كما أن هذه الخطوات تحمل بعداً استراتيجياً، إذ تسعى تركيا إلى تقديم نفسها كقوة إقليمية قادرة على قيادة جهود التنمية في سوريا، في مقابل تراجع الدور الإيراني والروسي في بعض المناطق. وهذا ما يجعل من التعاون الاقتصادي بين البلدين ليس فقط ضرورة اقتصادية، بل خياراً سياسياً يفرضه الواقع الجديد.
---
*ختاماً: هل تنجح تركيا وسوريا في بناء نموذج اقتصادي مشترك؟*
الطريق لا يزال طويلاً، والتحديات كثيرة، من بينها غياب الثقة، تعقيدات الملف الأمني، وتدخلات القوى الدولية. لكن إذا ما تم تنفيذ هذه الإجراءات بجدية، فإنها قد تشكل نواة لنموذج اقتصادي مشترك يُحتذى به في المنطقة، ويمنح سوريا فرصة حقيقية للنهوض من جديد.
فهل تنجح هذه الخطوات في تحويل صفحة الماضي إلى شراكة مستقبلية؟ الإجابة ستعتمد على الإرادة السياسية، وصدق النوايا، وقدرة الطرفين على تجاوز الخلافات لصالح التنمية والاستقرار.
تعليقات
إرسال تعليق