القائمة الرئيسية

الصفحات

نقابة الفنانين تنهي تكليف الممثل حسين عباس من رئاسة فرعها في اللاذقية بسبب مشاركته في مسلسل "كونتاك" الساخر

 في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الوسط الفني السوري وعلى منصات التواصل الاجتماعي، أعلنت نقابة الفنانين السوريين إنهاء تكليف الممثل حسين عباس من رئاسة فرعها



 في محافظة اللاذقية، وذلك بعد أيام قليلة من تعيينه في المنصب. القرار جاء على خلفية مشاركة عباس في مشهد ساخر ضمن مسلسل "كونتاك"، اعتُبر مسيئاً لضحايا الهجمات الكيميائية التي ارتكبها النظام السوري السابق، والتي وثقتها منظمات دولية وحقوقية على مدى سنوات الحرب.



المشهد الذي أثار موجة الغضب يعود إلى حلقة من مسلسل "كونتاك" الكوميدي الذي عُرض عام 2019، حيث ظهر حسين عباس إلى جانب الفنانة أمل عرفة في مشهد يسخر من متطوعي الدفاع المدني المعروفين بـ"الخوذ البيضاء"، ويشكك في حقيقة المجازر الكيميائية التي



 وقعت في مناطق مثل الغوطة الشرقية وريف دمشق. ورغم مرور سنوات على عرض الحلقة، فإن إعادة تداولها مؤخراً بعد تعيين عباس في منصبه النقابي أعادت إشعال الجدل، ودفعت النقابة إلى اتخاذ قرار عاجل بعزله من رئاسة الفرع.


نقابة الفنانين أوضحت في بيانها أن القرار جاء بعد جلسة استثنائية عقدها مجلس النقابة، وأنه تم تكليف الفنان عبد الله شيخ خميس بتسيير أمور فرع اللاذقية مؤقتاً إلى حين تعيين رئيس جديد بشكل رسمي. البيان لم يشر 



بشكل مباشر إلى المشهد أو المسلسل، لكنه أكد أن النقابة تأخذ بعين الاعتبار مشاعر السوريين، وتحترم تضحياتهم، ولا تقبل بأي إساءة لضحايا الحرب أو تشكيك في معاناتهم.


ردود الفعل على القرار جاءت متباينة. فبينما رحّب كثيرون بعزل عباس، معتبرين أن مشاركته في مشهد يسخر من ضحايا المجازر الكيميائية يُعد تجاوزاً أخلاقياً لا يمكن تبريره، رأى آخرون أن القرار جاء متأخراً، وأن تعيينه في


 الأساس كان استفزازاً لمشاعر السوريين، خاصة في محافظة اللاذقية التي دفعت ثمناً باهظاً خلال سنوات الحرب. البعض اعتبر أن النقابة كانت مضطرة لاتخاذ القرار تحت ضغط الرأي العام، وليس انطلاقاً من موقف مبدئي.


حسين عباس، المولود في اللاذقية عام 1966، يُعرف بأدواره الكوميدية، وأبرزها شخصية "حسان" في المسلسل الشهير "ضيعة ضايعة"، الذي نال شعبية واسعة داخل سوريا وخارجها. كما له مشاركات مسرحية عديدة، وكان يُنظر إليه كأحد الوجوه الفنية التي حافظت على حضورها رغم تقلبات المشهد السوري. إلا أن مشاركته


 في "كونتاك"، وما حمله المشهد من إيحاءات سياسية، وضعته في مرمى الانتقادات، خصوصاً من قبل الناشطين الحقوقيين وأهالي ضحايا الهجمات الكيميائية.


المشهد الذي أثار الجدل لم يكن مجرد فقرة كوميدية عابرة، بل حمل رسائل سياسية واضحة، اعتبرها كثيرون محاولة لتبييض صفحة النظام المخلوع، والتشكيك في روايات موثقة عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين


. وقد سبق أن أثار المشهد نفسه موجة غضب عند عرضه، ما دفع الفنانة أمل عرفة حينها إلى تقديم اعتذار علني عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أنها لم تقصد الإساءة، وأنها تحترم معاناة السوريين.


لكن اعتذار عرفة لم يكن كافياً لتخفيف حدة الانتقادات، خاصة أن المشهد جاء في وقت كانت فيه التحقيقات الدولية حول الهجمات الكيميائية لا تزال جارية، وكانت صور الضحايا،


 وبينهم أطفال، تتصدر وسائل الإعلام العالمية. وقد اعتبر كثيرون أن المشهد يندرج ضمن حملة إعلامية تهدف إلى التشكيك في الجرائم الموثقة، وتقديم رواية بديلة تخدم مصالح النظام.


قرار نقابة الفنانين بعزل حسين عباس يعكس تحولات في المزاج العام داخل سوريا، حيث باتت المؤسسات الثقافية والفنية أكثر حساسية تجاه القضايا السياسية والإنسانية، خصوصاً تلك التي تتعلق بضحايا الحرب. كما يعكس إدراكاً متزايداً بأن الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل أداة للتأثير والتعبير، وأن الفنان يتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه جمهوره وتجاه القضايا الوطنية.


في الوقت ذاته، يطرح القرار تساؤلات حول معايير التعيين داخل النقابات والمؤسسات الثقافية، ومدى مراعاتها لتاريخ الشخصيات المرشحة، ومواقفها السابقة، وتأثيرها على الرأي العام. فهل كان تعيين عباس في هذا المنصب نتيجة تجاهل لتاريخه الفني والسياسي؟ أم أنه جاء في إطار محاولات لإعادة تدوير وجوه محسوبة على النظام السابق؟ وهل يمكن اعتبار عزله خطوة نحو إصلاح حقيقي داخل النقابة، أم مجرد استجابة ظرفية لضغط شعبي؟


في كل الأحوال، فإن ما جرى يعكس صراعاً مستمراً داخل المشهد السوري بين من يسعى إلى طي صفحة الماضي، ومن يصر على محاسبة كل من تورط في تبرير الجرائم أو التغطية عليها. وبينما يبقى الفن مساحة للتعبير الحر، فإن حدود هذا التعبير تتوقف عند احترام الحقيقة، 



والامتناع عن الإساءة لضحايا المآسي، خصوصاً عندما تكون هذه المآسي موثقة ومؤلمة إلى حد لا يحتمل السخريةعزل حسين عباس من رئاسة فرع نقابة الفنانين في اللاذقية قد لا يكون نهاية الجدل، لكنه بالتأكيد بداية لمراجعة أوسع داخل الوسط الفني السوري، حول دور الفنان، وحدود مشاركته السياسية، ومسؤوليته الأخلاقية تجاه شعبه وتاريخه. وفي بلد لا تزال جراحه مفتوحة، فإن كل كلمة، وكل مشهد، وكل موقف، يحمل وزناً لا يمكن تجاهله..

تعليقات

close
التنقل السريع